عن هذه النشرة  |  اتصل بنا 

عودة الى الصفحة السابقة

ألحديث ألأول في برلين

24, تشرين ثاني 1921

ج. غوردجييف

 

تسألين عن هدف الحركات. لكل موضع للجسد يتطابق حال داخلي معين. ومن ناحية أخرى, لكل حالٍ داخلي تتطابق وضعة جسد. يوجد للمرء, في حياته, عدد معين من الوضعيات الجسدية الاعتيادية, وهو ينتقل من الواحدة إلى الأُخرى بدون الوقوف عند وضعيات الما بين.

اتخاذ وضعيات جسدية غير اعتيادية جديدة يمكّنكِ من مشاهدة نفسكِ في الداخل بشكلٍ مختلف عن الطريقة التي تشاهدين فيها في الظروف ألاعتيادية. هذا يتضح بشكل خاص حين القاء  الأمر "قف!" يجب عليكِ أن تتجمدي حالا ً. عند هذا ألأمر يجب عليكِ أن تتجمدي ليس فقط خارجيا ً بل وأن توقفي جميع حركاتك الداخلية أيضا ً. يجب على العضلات التي كانت منقبضة أن تبقى في نفس حالة الإنقباض, وعلى العضلات التي كانت مرتخية أن تبقى مرتخية. يجب عليكِ أن تعملي مجهوداً لإبقاء الأفكار والمشاعر كما كانت, وفي نفس الوقت أن تشاهدي نفسكِ.

La Prieure
 حركة الدرويش المرتج, وضعة البداية صورة: مؤسسة غوردجييف في نيويورك

على سبيل المثال, ترغبين أن تكوني ممثلة. وضعياتك الجسدية الإعتيادية ملائمة لتمثيل مقطع معين – مثلا ً خادمة  – ومع هذا يجب عليكِ أن تمثلي مقطعاً لسيدة نبيلة. للسيدة يوجد وضعيات جسدية مُختلفة تماماً. في معهد مسرحي جيد سوف يعلمونكِ, لنقل, مئتي وضعية جسدية. الوضعيات الجسدية المميزة للسيدة النبيلة, لنقل, ألوضعيات الجسدية رقم 14, 68, 101, و 142. إذا كنتِ تعرفي هذا عند وجودك على المسرح, يجب عليكِ ببساطة الإنتقال من وضعية جسدية واحدة إلى الأُخرى, وعندها, مهما كان تمثيلك سيء, سوف تكوني سيدة نبيلة كل الوقت. ولكن إذا لم تعرفي هذه الوضعيات, عندها, حتى الشخص الذي لا يوجد عنده عين مدربة سوف يشعر إنكِ لست سيدة نبيلة بل خادمة.

من الضروري أن تشاهدي نفسك بشكل مختلف عن مشاهدة نفسك في الحياة الإعتيادية. من الضروري أن يكون لكِ موقف مختلف, ليس الموقف الذي كان لديكِ حتى الآن. أنتِ تعرفين إلى أين اوصلتك مواقفك الإعتيادية حتى الآن. لا يوجد معنى بأن تواصلي كما كنتِ, لا يوجد معنى لكِ ولي, لأنه لا يوجد عندي رغبة أن أعمل معكِ إذا بقيتِ كما أنتِ. أنتِ تريدين المعرفة, لكن ما حصلتِ عليه حتى اليوم هو ليس بمعرفة. لقد كان تجميعاً آليا للمعلومات. إنها معرفة ليست بداخلكِ ولكنها خارجكِ. لا يوجد لها قيمة. ما همكِ إذا كان ما تعرفينه أنتجه في زمن ما شخص غيركِ ؟ أنتِ لم تنتجيه, لذا فقيمته قليلة.  تقولين, على سبيل المثال, أنكِ تعرفين كيفية ضبط الحروف لطبع الجرائد, وأنتِ تقيّمين هذا في نفسكِ.  ولكن الآن, بإمكان آلة فعل هذا. عملية الدمج ليس إبداعاً.

للجميع ذخيرة محدودة من الوضعيات الجسدية الاعتيادية, ومن الأحوال الداخلية. انها رسامة وربما ستقولين انه يوجد لها اسلوب خاص. لكن هذا ليس أسلوبا, انه تقييد. مهما مثلت رسوماتها, فإنها دائماً سوف تمثل الشيء نفسه, سواء رسمت لوحة للحياة الاوروبية او للشرقية. سوف أكتشف فوراً انها هي, وليس شخص آخر, التي رسمتها. إذا كان الفنان هو نفس الشخص – فقط نفسه بجميع أدواره, أي نوع فنان هو؟ بالصدفة فقط يمكن أن يكون له دور يوافق كلياً لما هو في الحياة.

عامة, حتى اليوم كل المعرفة كانت آلية مثل كل شيء آخر كان آلياً. على سبيل المثال, أنظر إليها بعطف؛ وحالاً تتحول إلى عطوفة. اذا نظرت اليها بشكل غاضب, فحالاً يثار استياؤها – وليس فقط معي ولكن مع جارها, وجارها مع أحد آخر وهلم جراً بهذا الشكل. انها غاضبة لانني نظرت إليها بشكل غاضب. إنها غاضبة بشكل آلي. لكنها لا تستطيع أن تغضب عن ارادتها الخاصة الحرة. انها عبدة لسلوك الآخرين. ولن يكون ذالك سيئاً إلى هذا الحد إذا كانوا هؤلاء الآخرين دائماً كائنات حية, لكنها ايضاً عبدة لجميع الأشياء. أي شيء آخر هو أقوى منها. إنها عبودية متواصلة. وظائفكِ ليست لكِ, لكن أنت نفسك وظيفة لما يحصل داخلك.

لأشياء جديدة يجب على المرء أن يتعلم مواقف جديدة. أنظري, الجميع يسمع الآن بطريقته الخاصة, لكنها طريقة تتوافق مع الوضعية الداخلية. على سبيل المثال, " ستاروستا" يسمع بعقله, وأنت بعواطفكِ, وإذا سُئلتم جميعكم أن تُعيدوا ما سمعتم, كل واحد سوف يعيد بطريقته الخاصة بالتطابق مع حاله الداخلي في تلك اللحظة. بعد ساعة, يقول أحدهم ل"ستاروستا" شيئاً مزعجا, في حين أعطاكِ احدهم مشكلة رياضية لتحلي. "ستاروستا" سوف يعيد ما سمعه هنا عبر مشاعره وأنتِ سوف تعيديه بشكل منطقي.

كل هذا لان مركزاً ¹ واحداً فقط يعمل – على سبيل المثال, أحد أمرين اما العقل أو المشاعر. مع ذالك يجب عليكم أن تتعلموا أن تسمعوا بطريقة جديدة. المعرفة التي اقتبستوها هي معرفة مركز واحد – معرفة بدون فهم. هل هناك العديد من الأشياء التي تعرفونها وبنفس الوقت تفهمونها؟ على سبيل المثال, أنتم تعرفون ما هي الكهرباء, لكن هل تفهمونها كوضوح فهمكم أن تربيع الاثنين أربعة؟ انكم تفهمون الأخير بشكل واضح جداً لدرجة انه لا أحد يستطيع أن يبرهن العكس؛ لكن بالنسبة  للكهرباء فالوضع  مختلف. الآن فسروا لكم بطريقة معينة – فتصدقوها, غداً سوف يُقدم لكم تفسير آخر- وسوف تصدقون ذالك أيضاً. لكن الفهم هو إدراك ليس بواسطة مركز واحد بل بواسطة مركزين على الأقل. يوجد هناك إدراك كامل أكثر, لكن بهذه اللحظة يكفي أن تُجبر مركزاً واحداً أن يسيطر على الآخر. اذا أدرك مركز واحد ووافق الآخر على الإدراك, يتفق معه أو يرفضه, هذا هو الفهم. إذا فشل الجدال بين المراكز ان  يصل الى نتيجة محددة, فسوف يكون فهماً جزئياً. الفهم الجزئي غير صالح أيضاً. من الضروري أن كل شيء تصغون إليه هنا, كل شيء تتكلمون عنه فيما بينكم في أي مكان كان, عليكم أن تقولوه أو تصغون إليه ليس بمركز واحد بل بمركزين. وإلا لن تكون نتيجة صالحة لي أو لكم. لكم سوف يكون كالسابق, مجرد تراكم لمعلومات جديدة.

نظرات من العالم الحقيقي ص. 167-170

ترجمة: طوني لحود


عودة الى الصفحة السابقة


1.   حسب تعاليم غوردجييف, يتكون الإنسان من ثلاثة مراكز: المركز الفكري, المركز العاطفي, والمركز الغريزي\حركي.


الرئيسية | مقدمة | الحركات | الموسيقى | كتاباته | قراءات | تلاميذه | عمل المجموعات | خاص بنا

عن هذه النشرة | اتصل بنا

كافة الحقوق محفوظة ©