كلمة المحرر |  عن هذه النشرة  |  اتصل بنا 

 

النص التالي هو مدخل أولي عن الموسيقى التابعة للسيد غوردجييف. كُتب المقال بقلم إثنين من تلاميذ غوردجييف, الذين كانوا بصحبته منذ أيام إيسينتوكي, والثورة الروسية. مواد مكتوبة إضافية, ومقاطع من موسيقة غوردجييف ستضاف في وقت لاحق.

الموسيقى

توماس وأولغا دي هارتمان

(من كتاب: حياتنا مع السيد غوردجييف-Our Life with Mr. Gurdjieff)

عندما كان السيد غوردجييف في البريري  [La Prieure] عمل معي كثيراً على الموسيقى, لكن ليس للحركات. فالتمارين التي قدمها في آب 1924 كانت آخر حركات جديدة التي أعطاها في البريري. ابتداءً من شهر تموز 1925 بدأ في إبداع موسيقى من نوع آخر, والتي تدفقت منه بوفرة لمدة السنتين التاليتين.

لقد مررت بوقت صعب ومرهق للغاية مع هذه الموسيقى. كان السيد غوردجييف يصفّر أو يعزف بإصبع واحد على البيانو نوع معقد جداً من اللحن – كما هي جميع الألحان الشرقية, على الرغم من أنها تبدو في البداية ذو نغمة وتيرية. تناول هذا اللحن, وتدوينه بتنويت أوروبي, تطلب مجهود فائق.

كيف تم كتابتها هو أمر مثير للاهتمام في حد ذاته. كانت تحصل عادة في ساعات المساء إما في غرفة الصالون الكبيرة في المبنى الرئيسي, أو في البيت الدراسي. كنت أسمع عادة عندما بدأ السيد غوردجييف بالعزف، كان علي أن أسرع إلى الطابق الأسفل ومعي أوراق تدوين الموسيقى. وكان يأتي الجميع عاجلاً, فكان إملاء الموسيقى يحدث دائماً امام الجميع.   

لم يكن تدوينها سهلاً. أثناء الاستماع لعزفه، كان علي أن أخربش بسرعة محمومة التغييرات والتحويلات الملتوية للحن، وأحياناً عند تكرير نوتتان فقط. لكن بأي إيقاع؟ وكيف يتم صياغة التوكيد؟ لم يكن هناك تلميح الى الموازين والتناغم المألوفين لبلاد الغرب. فهنا يوجد نوع إيقاع ذو طبيعة مختلفة. توزيع مختلف لجريان اللحن, الذي لم يكن من الممكن تقطيعه وتقسيمه باستعمال خطوط التدوين. أما التناغم – أي النغمية  [tonality] الشرقية التي عليها مبني تناسق الألحان – كان ممكن لي فقط أن أخمنها تدريجياً.

من الصحيح أن السيد غوردجييف كان يكرر عدة مقاطع, لكنه غالباً - أظن لغيظي - كان يبدأ في تكرير اللحن قبل أن أنتهي من كتابته, وعادةً مع تغييرات ماكرة وزخارف اضافية, مما قادني إلى اليأس. يجب التذكر, طبعاً, بأن هذه الطريقة لم تكن وسيلة لتسجيل ألحانه لأجيال المستقبل فحسب, بل بنفس المقدار, كانت تمرين شخصي لي ل "التقاط" و "استيعاب" الميزة الأساسية, او لب الموسيقى. ويمكنني أن أضيف, عملية "التقاط الجوهر" لا يمكن تطبيقها فقط على الموسيقى, فبالنسبة لي, كانت صعوبة دائمة, امتحان لا ينتهي.

بعد كتاية اللحن, كان السيد غوردجييف يطرق على غطاء البيانو إيقاعاً الذي عليه وجب بناء الدور المرافق [دور الموسيقى الثانوي - ملاحظة المترجم], والذي كان يتم عزفه على نوع من آلات الإيقاع في الشرق. ووجب على اللحن برمته, كما أعطيَ, أن يمتزج بطريقة ما مع خلفية هذا الإيقاع, ولكن دون تغييره أو تعديله  لملائمة الدور المرافق. ثم وجب علي أداء ما تم تقديمه في الحال بإضافة الارتجال في الانسجام أثناء تقدم أدائي. 

عندما بدأتُ العمل على تنسيق الألحان, فهمتُ سريعاً أن انسجام الألحان الحر غير ممكن. فالميزة الحقيقية الأصلية للموسيقى مثالية لحد بعيد, "ذاتها" جداً لدرجة أنه أي تعديل فقط سيهدم الباطن الفردي المطلق لأي لحن لا غير.   

ذات مرة, قال لي السيد غوردجييف بشكل قاطع: "يجب انجازها بالشكل الذي سيسمح لأي أحمق أن يعزفها". لكن الله أنقذني من فهم هذه العبارة حرفياً, ومن تنسيق هذه الموسيقى كالتنسيق الذي يستخدمه الجميع. هنا أخيراً موجود أحد الأمثلة لقدرته في "توريط" الناس, ولإجبارهم أن يجدوا الطريقة الصحيحة بنفسهم عبر تشغيلهم بعدة أشغال في وقت واحد – في حالتي, تدوين موسيقى وبنفس الوقت التمرين لإلتقاط ولتجميع كل ألأشياء التي من السهل فقدانها.

تدريجياً, أصبحت عادة لدى السيد غوردجييف, أن يعمل معي على التدوين لموسيقى جديدة كلما عاد من باريس. فبعد العشاء, عندما التم الجميع معاً, تم عزف آخر موسيقى التي تم تنسيقها وقراءة آخر نص لحكايات بعلزبول لحفيده. بعد قراءة النص تم عزف الموسيقى مرة أخرى.

لموسيقى السيد غوردجييف تنوع كبير. فالأكثر تأثيراً بأعماق الناس, كانت تلك التي تذكَر سماعها في هياكل بعيدة أثناء رحلاته في آسيا. فقد أدت هذه الموسيقى لمس سامعها في أعماق وجوده...

توماس دي هارتمان


هنا،  بدون توقع، توقفت كتابة توماس دي هارتمان. فقد توفيَ فجأة لدرجة أنه لم يقرأ حتى ما كتبه.
في المساء السابق, عزف بقوة هائلة السوناتة الثانية للبيانو التابعة له والمكرسة لفكرة  ب.د.أوسبينسكي عن البُعد الرابع، لمجموعة من الأصدقاء الموسيقيين الذين لم يكن بوسعهم حضور العرض الموسيقي المخطط أن يجري في غضون أسبوعين.

هكذا, بقيت مع نص ناقص الذي اعتبره زوجي مهم جداً – كما يتضح من مقدمته. في الفصول الأولى, وصف بالتفصيل الفترة الزمنية لعمل السيد غوردجييف والتي لم يبقى أحد منها على قيد الحياة سواي. وشعرت أنه لا ينبغي ترك كتابات زوجي غير مكتملة. يمكنني الاستمرار بها لكن بوصف تجاربي الخاصة فقط.

أن أكون محايدة, غير شخصية للغاية, وأن أكون صادقة قدر الإمكان هي مهمة جدية جداً بالنسبة لي. يجب أن يكون وصف للأعوام الأخيرة مع السيد غوردجييف كما تراه عينا أحد تلاميذاته. آملة أن يساعدني السيد غوردجييف بنفسه  أن لا أكون مكترثة برأي الآخرين عما سأكتبه. توقيري له ولتعاليمه عميق.   

إذاً, اشعر حرة أن أقول ما أراه حقيقي, مهما كان  ذاتي.

أولغا دي هارتمان

ترجمة: طوني لحود

 

الرئيسية | مقدمة | الحركات | الموسيقى | كتاباته | قراءات | تلاميذه | عمل المجموعات | خاص بنا

عن هذه النشرة | اتصل بنا

كافة الحقوق محفوظة ©