عن هذه النشرة  |  اتصل بنا 

 

عودة الى الصفحة السابقة

نَوْم

جيمس أوبي ¹ 
(James Opie)


في حوار المتعلق بالتصريح الأكثر بروزاً عنا من قبل غوردجييف, أننا "نائمون", روى شاب الموجود على صلة بتعاليم غوردجييف لبعض سنوات, ما يلي:

"كان ذالك يوم السبت من بعد الظهر حينما كنت في السينما, أشاهد فيلم بالأحرى جيد, عندما فجأة أدركت أن في النصف الساعة الأخيرة كان انتباهي مستغرق تماماً في أحداث الرواية المعروضة على الشاشة. كان هناك, إذا جاز القول, القليل من الوعي للواقعة أن هذه كانت صور التي وصفت العمل البارع لممثلين ولممثلات المدفوع لهم وهم يؤدون تمثيلهم أمام الكاميرا. قبل تلك اللحظة, عندما استيقظت, لم يكن هناك صلة مع مكان وجودي --- في قاعة السينما --- وحتى من أنا كنتُ --- شخص نائم مغناطيسياً بالتقريب بواسطة صور المعروضة على شاشة أمامي. لقد صدمني أن أرى كيف بشكل كلي كنت مستغرق بتصديق ما كان يُمثَل في تلك الصور. لكن عندها, فجأة, استيقظت.

"معتاد على ضوء قاعة السينما الباهت, نظرت إلى أوجه الرجال والنساء حولي, جميعهم كانوا أسرى للفيلم. وعندما قال ممثل ما شيء مضحك, رأيت كيف انبثقت ابتسامات الرجال والنساء حولي, بانسجام. كان واضح أن الجميع كانوا مثبتون في نفس المزاج, نفس المشاعر, نفس السلوك. لقد كانوا, مثلي, نائمون مغناطيسياً. وخطر في بالي للمرة الأولى أنه من وجهة نظرنا الاعتيادية, نعتبر ‘فيلم جيد‘ هو ذالك الذي يستولي على انتباه مشاهديه في هذه الطريقة بالضبط.

"في باقي وقت الفيلم, كافحت لكي أرجع إلى نفسي. أي استيقظت مرة تلو الاخرى إلى واقع مكان وجودي ولما كان يحدث. كنت جالساً في مقعد. وكانت أمامي شاشة. سير أحداث الرواية كان يتقدم باستمرار. في العديد من المرات, بالأخص خلال لحظات بارزة في سير أحداث الرواية, انزلقتُ راجعاً لتصديق ما كان يظهر على الشاشة. لكن تلك الفترات الزمنية لم تدوم طويلاً. مرة تلو الأخرى, رجعت إلى اختبار نفسي جالساً في قاعة السينما, محاط بأشخاص الذين كانوا يتمتعوا من ‘فيلم جيد‘.

"عندما انتهى الفيلم, وقف الجميع وبدئوا يجرون إلى الخارج, كما فعلت أنا أيضاً. بسبب جميع جهودي أن أكون حاضراً في حوالي الساعة الأخيرة, الحال الذي وجدت نفسي فيه كان حال هدوء فريد. كنت مهتم بشكل شديد بكل شيء وبكل شخص حولي. فجأة بدت الحياة مصبوغة بمعنى رقيق وباحتمال.

"خارجاً, وقفت أمام مبنى السينما وشاهدت الناس عند خروجهم من المبنى. وعند مشاهدتي لأوجه عديدة وهي تمر, ظهرت تدريجياً واقعة: كان الجميع مستغرقون في ما اهتموا به في تلك اللحظة, بمحادثاتهم الصغيرة مع شخص بجانبهم, أو ربما بأفكارهم, كما كانوا مستغرقون في اللحظات التي مضت في السينما. لم يلاحظني أي من الرجال أو النساء. وكأنهم الآن يمثلون في فيلم وأنا كنت الكاميرا, التي لم ينظروا إليها أبدا. لم يكن "مُخرِج" لهذا "الفيلم". مجرد "َحَدَث", في حال مشترك من النوم.

"كلما أطلت في مشاهدتي لهذه الناس وهي تخرج إلى الهواء الطلق, تُرتب ملابسها, تتكلم عن الفيلم, أو تولع سيجارا, كلما عملت بمجهود أكبر لأبقى حاضراً في نفسي, في تلك البيئة, مع جميع الناس التي مرت أمامي. فجأة اتخذت الكلمة ‘نوم‘ معنى جديد بالنسبة لي, لأنها عبّرت بشكل واضح جداً عما كنت أشاهده. وعرفت بطريقة ما, أنني لم أعرف من قبل أنه عادةً أنا "نائم" مثلهم."

هل كان هذا الشاب حقاً يقظ في تلك اللحظات؟ يجب علينا أن نبقي مجال حول السؤال ما هو ذالك الشيء أن يكون الشخص "يقظ" تماماً. من غير ريب لقد كان أكثر يقظاً عما كان عليه. وهذا هو تحدّينا: أن نلاحظ وأن نقدر لحظات فيها نكون أكثر يقظين, وأن نجد طرق لمد دوام وعمق مثل هذه اللحظات. وهذا يدل على الاستعداد أن نبدأ التأمل بالفكرة أن خلال لحظات أخرى في حياتنا نحن بالفعل "نائمون".

ترجمة: طوني لحود

عودة الى الصفحة السابقة

 


1.  تحتوي مؤلفات جيمس أوبي على كتابين عن السجاد الشرقي, بالإضافة إلى مقالات عديدة في مجلاّت دورية المتعلقة بتعاليم غوردجييف. أشرف على تحرير الإصدار الأول من المجلد التاسع لمجلة غوردجييف الدولية (Gurdjieff International Review Vol. IX No. I), ونشر مقال فيه. ونشر مقالات أخرى في مجلة مواد للفكر (Material for Thought) التي لها صلة بمؤسسة غوردجييف في كاليفورنيا, وفي مجلة بارابولا (Parabola) الرباعية المنشورة في نيويورك المهتمة "بالتقاليد, الأساطير, والبحث عن معنى".

الرئيسية | مقدمة | الحركات | الموسيقى | كتاباته | قرائات | تلاميذه | عمل المجموعات | خاص بنا

عن هذه النشرة | اتصل بنا

كافة الحقوق محفوظة ©