عن هذه النشرة  |  اتصل بنا 

 

الحصان, المركبة, والحوذي

ج. غوردجييف

 صورة توضيحية صورة: لويس موراليس

في هذا المقطع يشبه غوردجييف الإنسان بالمبنى الكلي لمركبة مربوطة بحصان وحوذيها. ويقدم تفسيراً لبعض الحقائق الواقعية عن حالة هذه المركبّات عموماً وعلاقاتها الغير لائقة مع بعضها.

ربما تتذكر انه قيل عن الإنسان انه مثل عربة وحصانها, تتألف من راكب, حوذي, حصان, ومركبة. إلا أنه لا سؤال عن الراكب فهو غير موجود. ولهذا نستطيع أن نذكر الحوذي فقط. عقلنا هو الحوذي...

بداخلنا حصان؛ يطيع الأوامر من الخارج. وعقلنا ضعيف عن عمل أي شيء من الداخل. حتى لو أعطى العقل أمراً بالتوقف, لن يتوقف شيء في الداخل.

نحن لا نثقف شيء إلا العقل. ونعرف كيفية التصرف مع كذا وكذا. "وداعاً." "كيف حالك؟" لكن فقط الحوذي يعرف ذالك. فقد قرأ عن هذا خلال جلوسه على صندوقه. لكن ليس للحصان أي ثقافة على الإطلاق. فهو لم يُعَلَّم حتى الأبجدية, ولا يعرف أي لغة فلم يذهب إلى أي مدرسة أبداً. للحصان أيضاً قابلية التعلم, لكننا نسينا ذالك تماماً...لذالك فهو كبر يتيماً مُهمَل. فهو يعلم كلمتين فقط: يمين ويسار.

ما قلته عن التغيير الداخلي يرجع فقط إلى الحاجة للتغيير في الحصان. إذا تغير الحصان, فباستطاعتنا التغيير خارجياً. إذا لم يتغير الحصان, فكل شيء يبقى على ما هو بغض النظر عن مدة دراستنا.

من السهل أخذ قرار التغيير وأنت جالسٌ بطمأنينة في غرفتك. لكن حالما تقابل شخصاً ما, الحصان يرفس. في داخلنا حصان.

على الحصان أن يتغير.

إذا ظن أحداً أن دراسة-النفس ستساعد وسيكون بمقدوره التغيير, فهو مخطئ تماماً. حتى ولو قرأ جميع الكتب, ودرس لمدة مئة عام, وبرع بكل المعرفة والغموض – لن ينجم شيء عن ذالك.

لأن كل هذه المعرفة ستكون تابعة للحوذي. وهو, حتى لو عرف كيف, لن يستطيع سحب العربة بدون الحصان – فهي ثقيلة جداً.

أولاً, يجب عليك أن تدرك إنك أنت لست أنت. تأكد من ذالك, صدقني. أنت الحصان وإذا رغبت أن تبدأ بالعمل, على الحصان أن يُعلَم لغة جديدة تستطيع أن تكلمه بها, لتقول له ما تعرف ولتبرهن له الحاجة, لنقول, أن يغير ميوله. إذا نجحت في هذا, عندها, وبمساعدتك, سيبدأ الحصان في التعلم.

لكن التغيير ممكن فقط في الداخل.

بخصوص العربة, فوجودها كان منسي تماماً. ومع ذالك فإنها جزأ, وجزأ مهم من الفريق. لها حياتها الخاصة, التي هي أساساً لحياتنا. يوجد لها سيكولوجيتها الخاصة. فهي أيضاً تفكر, تجوع, لها رغبات, تشترك في العمل العمومي. هي أيضاً كان يجب أن تُثقف, أن تُرسل للمدرسة, لكن لا الأهل ولا أحد آخر إهتم. الحوذي فقط ثُقِف. وهو يعرف لغات, يعرف شارع كذا وكذا. لكنه لا يستطيع أن يقود إلى هناك وحده.

في الأصل عربتنا بُنيت لبلدةٍ عادية؛ جميع أجزائها الآلية صُممت لتلائم الطريق. للعربة عدة دواليب صغيرة. كانت الفكرة أن عدم تساوي الطريق سيوزع شحم التزلق بالتساوي على الدواليب وهكذا تزودها بالزيت. لكن كل هذا كان قد حُسب لبلدة معينة التي لا يوجد فيها طرق سويّة. الآن تغيرت البلدة لكن صُنع العربة بقي على ما هو. فقد صُنعت لتحمل أمتعة, لكنها الآن تحمل ركاب. وهي دائماً تمضي على نفس الطريق, "الطريق المرمم". فصدئت بعض أجزائها من عدم استعمال مطوّل. وإذا في بعض الأحيان كانت الحاجة بأن تمضي في شارع مختلف قلما نجت بعدها من عطل وتعديل جدي بدرجة أو بأخرى. في "الطريق المرمم" باستطاعة العربة أن تعمل بشكل جيد أو بشكل رديء, لكن في شارع آخر يجب أولاً تعديلها...

سؤال: لماذا لم يُثقف الحصان؟

جواب: الجد والجدة نسوا بالتدريج, وجميع الأقرباء نسوا. الثقافة بحاجة إلى وقت, بحاجة إلى معاناة, عندها ستصبح الحياة أقل هدوء. في البداية لم يُثقفوه بسبب الكسل, ولاحقاً نسوا كلياً...

سؤال: كيف يبدأ التغيير الداخلي؟

جواب: عليك أن تبدأ بتعليم الحصان لغة جديدة. تحضيره للرغبة بأن يتغير. العربة والحصان مرتبطون. الحصان والحوذي مرتبطون بعنانٍ. الحصان يعرف كلمتين - يسار ويمين. أحياناً الحوذي لا يستطيع إعطاء الحصان أوامر بسبب العنان الذي له القدرة تارة أن يكون سميك وتارة أن يكون رفيع. فالعنان ليس مصنوع من الجلد. فعندما يكون عناننا رفيعاً, لا يستطيع الحوذي السيطرة على الحصان. الحصان يعرف لغة العنان فقط. لا يهم مهما صرخ الحوذي "يميناً إذا سمحت" فلن يتزحزح الحصان. إذا شد, سيفهم الحصان. ربما الحصان يعرف لغة معينة, لكنها ليست اللغة التي يعرفها الحوذي...

علينا أن نفهم الفرق بين مسافر عفوي وبين سيد العربة. "أنا" هو السيد إذا كان عندنا "أنا". وإن لم يكن عندنا, فهنالك دائماً أحداً يجلس في العربة يعطي الأوامر للحوذي. بين المسافر والحوذي توجد مادة التي تسمح للحوذي بأن يسمع. إذا كانت هذه المواد موجودة أم غير موجودة, هذا يعتمد على الكثير من الأشياء المصادفة. ممكن أن تكون مفقودة. فإذا تجمعت هذه المواد, باستطاعة المسافر أن يعطي الأوامر للحوذي ولكن الحوذي لا يستطيع أن يأمر الحصان, وهلم جرا. في بعض الأحيان أنت تستطيع, وبأخرى لا تستطيع؛ هذا يتعلق بكمية المواد الموجودة. غداً أنت تستطيع, اليوم لا تستطيع. هذه المواد هي نتيجة لكثير من الأشياء...

نظرات من العالم الحقيقي, ص. 166-168

ترجمة: سوسن لحود
تنضيد: طوني لحود



1. هنا استعمل غوردجييف شارع Broadway. الجادة المعروفة بعرضها وحسن منظرها الخ.

الرئيسية | مقدمة | الحركات | الموسيقى | كتاباته | قراءات | تلاميذه | عمل المجموعات | خاص بنا

عن هذه النشرة | اتصل بنا

كافة الحقوق محفوظة ©