عن هذه النشرة  |  اتصل بنا 

 

عودة الى الصفحة السابقة


في دير السارمونغ

أثناء مكوثه في بُخارا [Bukhara] مع صديقه سولوفييف [Soloviev], عَلِمَ غوردجييف عن دير السارمونغ [Sarmoung], الواقع بمكان ما في آسيا الوسطى واللذان استُدعيا لزيارته. بعد رحلة طويلة وخطرة بين الجبال راكبين الخيل, وعادةً معصوبي العينين, وصلوا هو وسولوفييف الدير ولدهشة غوردجييف الكبيرة, قابل صديقه القديم: الامير لوبوفيدسكي [Lubovedsky], الذي وجده طريح الفراش يتعافى من مرض خطير:

"طالما لزم الأمير لوبوفيدسكي سريره, ذهبنا لرؤيته في المبنى الكبير الثاني, لكن عندما تحسنت حالته وكان بإمكانه ترك حجيرته, إعتاد المجيء إلينا, وكنا نتحدث كل يوم لمدة ساعتين او ثلاثة. إستمرت الأمور على هذا النحو لمدة اسبوعين. إلى أن إستُدعينا في أحد الايام لداخل المبنى الثالث, إلى شيخ الدير, والذي حدثنا بمساعدة مترجم. لقد عيّن لنا كمرشد أحد الرهبان الأكثر طعناً في السن, رجل عجوز الذي بدا كأيقونة , وحسب قول ألإخوة بلغ عمره مئتي وخمسة وسبعين عاماً.

بعدها, يمكن القول إننا اندمجنا في حياة الدير وأُذن لنا بالدخول إلى كل مكان تقريباً, وبدأنا تدريجياً باكتشاف كل شيء. في وسط هذا المبنى كان مبنى كبير يشبه الهيكل, وفيه اجتمع مرتين في اليوم جميع من سكن في المباني الثاني والثالث لمشاهدة الكاهنات وهي تؤدي الرقصات المقدسة او للإستماع للموسيقى المقدسة.

عندما تعافى الأمير لوبوفيدسكي كلياً, إصطحبنا لكل مكان وفسر لنا كل شيء, وهكذا كان, إذا جاز التعبير, كمرشد ثاني لنا. عن تفاصيل كل شيء في هذا الدير, ما يُمثل, وما فعلوه هناك وكيف, ربما سأسرد في كتاب خاص. لكن في الوقت الحالي أجد أنه من الضروري وصف بشكل مفصل بقدر الإمكان جهازاً غريباً رأيته, والذي مبناه, عندما فهمت مغزاه بالتقريب, ترك عليَّ إنطباعاً كبيراً.

عندما أصبح الأمير لوبوفيدسكي مرشدنا الثاني, حصل بمبادرته على إذن أن يأخذنا إلى مبنى رابع, المدعو 'مبنى النسوة', لزيارة درس تلميذات الذي أرشدته كاهنات-راقصات والتي, كما قلت, أدت الرقصات المقدسة في الهيكل يومياً. عرف الامير جيداً اهتمامي المستغرق الكبير بقوانين الحركة للجسم ولنفس الانسان, وعند مشاهدتنا للصف المدرسي, نصحني بأن أوْلي إنتباهاً خاصاً للأجهزة التي بمساعدتها تعلمت المرشحات صغيرة السن فنّها.

حتى من النظرة الاولى, تركت هذه الأجهزة الغريبة إنطباعاً بأنها براعة قديمة جداً. لقد كانت مصنوعة من خشب ألأبنوس المرصع بالعاج وعرق اللؤلؤ. عند عدم استعمالها وترتيبها بفئة, تذّكر مشاهدها "بشجر الفسانلنية" [Vesanelnian Trees], ذات الفروع المشابهة على حد سواء. عند فحصها عن قريب, رأينا ان كل جهاز تألف من عمود املس, أعلى من ارتفاع رجل ومركز على منصب ثلاثي القوائم. من هذا العمود برزت في سبعة اماكن فروع مصممة بشكل مميز والتي بدورها كانت مقسمة الى سبعة مقاطع ذات احجام مختلفة, كل مقطع متوالي يتناقص طوله وعرضه بالتناسب لبعده عن العمود الرئيسي.

La Prieure
 وضعة من حركة Note Values صورة: مؤسسة غوردجييف في نيويورك

كل مقطع أو قطعة لأي فرع, كانت موصولة للقطعة المجاورة بواسطة كرتي عاج جوفيتين الموجودتين الواحدة بداخل الأخرى. لم تستر الكرة الخارجية الداخلية بشكل كامل, لكي يرتكز طرف أي قطعة فرع مع الكرة الداخلية, وطرف القطعة المجاورة مع الكرة الخارجية. بهذه الطريقة, كانت هذه الرباطات من نفس نوع مفصل الكتف للانسان وسمحت لسبعة قطع أي فرع ان تتحرك في أي اتجاه مرغوب. الكرات الداخلية كانت منقوشة برموز.

كانت هنالك ثلاثة اجهزة كهذه في الغرفة وبجانب كل منها وقفت خزانة صغيرة بلوحات معدن مربعة الشكل, والتي عليها ايضاً كانت هناك نقوش. لقد فسر لنا الأمير لوبوفيدسكي بأن هذه اللوحات كانت نسخات لاللوحات الاصلية, المصنوعة من الذهب النقي, والمحفوظة لدى الشيخ. حدد الأخصائيون بأن عمر اللوحات والأجهزة نفسها يبلغ الأربعة آلاف وخمس مئة عام على الأقل. وأضاف الأمير أنه عبر توافق الرموز المنقوشة على الكريات الداخلية مع رموز اللوحات يمكن لهذه الكريات والقطع المرتكزة عليها ان توضع بوضعيات معينة.

عند وضع جميع الكريات كما أُشير, تتحدد هيئة الوضعية المعطاة وامتدادها كلياً, فتقف التلميذات أمام الأجهزة لمدة ساعات منتظمة بهذه الطريقة, وتتعلمن إحساس هذه الوضعية وتذكرها. الكثير من السنوات تعبر قبل أن يُسمح لكاهنات المستقبل صغيرات السن هؤلاء, ان ترقصن في الهيكل, حيث يمكن فقط للكاهنات كبيرات السن وذوات الخبرة ان ترقص.

الجميع في الدير يعرفون مباديء وضعيات الجسد هذه وعندما, في المساء في القاعة الرئيسية للهيكل, تؤدي الكاهنات الرقصات المحددة لطقس ذالك اليوم, قد تقرأ الأخوية بهذه الرقصات حقيقة واحدة أو أخرى التي وضعها الرجال هناك قبل آلاف السنين. هذه الرقصات تطابق كتبنا بشكل دقيق. كما يفعلون الآن على ورق, هكذا ذات مرة, سجلت معلومات معينة عن وقائع مضت قديماً في رقصات, ونُقلت من قرن الى قرن الى عامة الناس من الاجيال المتتالية. وهذه الرقصات تسمى مقدسة.

هؤلاء اللواتي سوف تصبحن كاهنات معظمهن بنات صغيرات السن اللواتي من خلال نذر والديهن أو من أجل سبب ما كُرسن من جيل مبكر لخدمة الله, أو لخدمة هذا أو ذالك القديس. فهن يُقدمن للهيكل عند الطفولة, حيث يُعلمن ويُهيأن لكل شيء ضروري, مثلاً, للرقصات المقدسة.

بعد مرور عدة أيام لمشاهدتي لهذا الصف المدرسي, ذهبت لأرى أداء الكاهنات الحقيقية. لقد إندهشت بشدة, ليس من المغزى والمعنى المضمون في رقصاتهن, الذي لم أفهمه بعد, بل من الدقة الخارجية والضبط في أدائها. لا في أوروبا, ولا في أي مكان آخر أقمت وشاهدت فيه بشوق واع هذا النوع من التعبير الانساني الذاتي الحركة, لم اقابل ابداً اي شيء يمكن مقارنته مع هذه الطهارة في الإنجاز".

لقائات مع رجال إستثنائيين, ص. 160- 163

ترجمة: طوني لحود

الرئيسية | مقدمة | الحركات | الموسيقى | كتاباته | قراءات | تلاميذه | عمل المجموعات | خاص بنا

عن هذه النشرة | اتصل بنا

كافة الحقوق محفوظة ©